الرياضيات والإسـلام
سنتناول إن شاء الله في هذا البحث الرياضيات من منظور إسلامي، حتى نعطي للمتابع فكرة جلية لعظمة الإسلام واهتمامه بالرياضيات فنقول :
وأيضا قبل المباشرة، علينا أن نعرف ماهية هذا العلم . فكما هو معلوم أن الرياضيات هي أم العلوم الدنيوية كما تسمى، وتدخل في كل جوانب العلوم الطبيعية . أما في الهندسة فتعد الرياضيات هي روح العمل الهندسي التي بدونها لما كان هناك وجود الهندسة وتطبيقاتها، وأما الإحصاء فلا يكاد يخلو أي علم تطبيقي من مادة الإحصاء ومعادلاته وحساباته. وللقرآن الكريم إعجاز رياضي عظيم يكاد يخلب العقول ، وبرزت في هذا المجال كتب وبحوث عديدة في الإعجاز الرقمي تحوي تفاصيل رائعة بموضوع الأرقام والإحصاء وإعجاز الوزن الرقمي للكلمات وأعدادها وفيه أمور عديدة تبعث بالقاري على الاعتزاز بدينه والفخر بكتابه وسنة رسول الله محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
فمن آيات الله في كتابه العزيز ما فيه إشارة مباشرة إلى الرقم والإحصاء والعدد، ومنها ما يحتاج إلى تدبر وتفكر يفضي إلى فهم أشمل للآية الخاصة بالإشارة والمثل القرآني، فهناك الإحصاءات الآتية .
- عدد تكرارات الكلمة والحرف في السورة الواحدة وفي القرآن بأجمعه
- تسلسل الكلمة ونسبتها إلى عدد كلمات السورة .
- تسلسل آية الكلمة ونسبتها إلى عدد آيات السورة .
- تسلسل رقم السورة ونسبتها إلى سور القرآن الكريم . كمثال لذلك راجع الرابط المسمى أسرار ترتيب سور القرآن الكريم .
- الوزن الرقمي للكلمة أو حساب جملها .
وسيرى المتابع الكريم كيف أن هذه النسب والإحصاءات مرتبة بشكل رياضي محكم وحسب قوانين رائعة لا يعلمها إلا الله تعالى، وكيف أنها تعطي ثوابت هندسية للظواهر التي تتحدث عنها فيزيائية كانت أم كيميائية أم اجتماعية أم أي شيء آخر، وكيف أن هذه الثوابت التي من المكن تسميتها (الثوابت القرآنية الشاملة Global Holy -uran Constants) تربط الظواهر التي تتحدث عنها كمثل أو إشارة مع الحالة الاجتماعية للإنسان والمجتمع .
موقف الإسلام من العلوم الرياضية
لئن كان عصرنا الذي نعيش هو عصر الإحصاء والرياضيات إذ لا يكاد علم من العلوم يخلو من هذين العنصرين الأساسيين اللازمين لتطوره، وهما الفارق بين العلميين والعشوائيين ، فإن الإسلام العظيم قد سبق في هذا سبقا مميزا يكاد يكون السمة البارزة له عن بقية الأديان والقوانين الوضعية فلا عجب أن نرى أن القرآن العظيم يعطي الإحصاء والرياضيات أهمية بارزة ، فيقول الله تعالى : (وأحصى كلّ شيء عددا) ، وقال تعالى: (لقد أحصهم وعدّهم عددا)، وغيرها من الآيات المباركات . وقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الانتفاع بالإحصاء منذ عهد مبكر من إقامة دولته بالمدينة . فقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله فقال : (احصوا لي كم يلفظ بالإسلام) . وفي رواية للبخاري أنه قال: (اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس) . قال حذيفة: فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل. وكان ذلك ليعرف الرسول صلى الله عليه وسلم القوة البشرية الضاربة التي يستطيع بها مواجهة الأعداء. والإحصاء الذي تم في وقت مبكر من حياة الدولة الإسلامية ، تم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة ويسر، يرينا إلى أي حد يرحب الإسلام باستخدام الوسائل العلمية الإحصائية والرياضية . وفي مقابل هذا نجد في العهد القديم إن أحد أنبياء بني إسرائيل أراد أن يعمل لهم إحصاء فنزلت عقوبة سماوية بهم ، كأنما (الإحصاء) يمثل تحديا للقدر والإرادة الإلهية، وهذا ما استنبط منه الفيلسوف المعاصر الشهير (برتراند رسل) أن التوراة والكتاب المقدس لا يتيحان مناخا مناسبا لإنشاء عقلية علمية .
لقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين حيث يتم فيها تدوين المعلومات عن الجند ودخول بيت المال وغيرها من البيانات اللازمة للتموين وتجهيز الجيوش . . . وهذه الطريقة لا تزال تستخدم في كثير من الأمور الإحصائية الحديثة وهي بداية الإحصاء . كذلك استخدم الخليفة أبو جعفر المنصور وسائل متطورة وعديدة لتسليح وتموين الجند إضافة إلى تبويب مدخولات بيت المال والمصروفات والأبواب الأخرى المتعلقة بإدارة الدولة . ولعل القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى : (وكذلك جعلنكم أمة وسطا) . وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الأمور الوسط) . وكما بينا أن معاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان ، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل . . . أما الإحصاء التطبيقي فقد ساهم فيه المسلمون عن طريق التوفير للمنحنى المفترض عن البيانات المعلومة وهذا المفهوم العلمي الرياضي لا يزال الأساس في علم الإحصاء لإيجاد أفضل المعادلات لقياس واقعية تجربة أجريت من قبل الباحثين في حقول المعرفة المختلفة . وما طريقة عمر الخيام لحل المعادلات التكعيبية ذات المجهول الواحد عن طريق ما يسمى (بحساب الخطأين) عند المسلمين وما يسمى حديثا بطريقة (False Regula) في التحليلات العددية الحديثة إلا خير دليل إلى أن المسلمين اتبعوا خطوات هندسية حديثة ومتطورة وسبقوا زمنهم في هذا المجال (بالإمكان الرجوع إلى مجلة المجمع العلمي العراقي ، لسنة 1973، العدد 23) .
تعد الحضارة الإسلامية من المرتكزات الأساسية وأحد الروافد الكبرى للحضارة البشرية لأصالتها وشموليتها وإنسانيتها بالإضافة إلى المنهج العلمي الذي كان الصفة المميزة لنتاجات علماء الأمة . لذلك فإن الأعمال العلمية الإسلامية اتصفت بالوضوح والدقة والجدية وبذلك يكون علماؤنا قد أضافوا إشعاعا جديدا لحضارة أمتهم الذي اعترف بفضلها كبار مؤرخي العالم ورجاله . ومنهم العالم بريفو الذي قال : (إن العلم أجل خدمة أسدتها الحضارة العربية إلى العالم الحديث وللعرب الفضل الكبير في تعريف أوروبا بالمعرفة العلمية ، وإن العلم الأوروبي سيبقى مدينا بوجوده إلى العرب) .
ولقد احتلت العلوم الرياضية مركزا مهما في حضارتنا الإسلامية حيث اهتم بها المسلمون اهتماما واضحا ، ويظهر ذلك من خلال النظريات والأفكار الرياضية المتطورة التي قدمها المسلمون . وقد ساعدت جملة من العوامل على تقدمهم في ذلك المجال العلمي المهم في طبيعة العقلية العربية المتفتحة صافية الذهن التي عمل الإسلام على تبلورها، حيث ان القرآن الكريم عدّ التأمّـل والتفكر في خلق الله في جملة المفاهيم الإسلامية التي لا بد للمسلم أن يأخذ بها، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة الاهتمام بالعلوم بصورة عامة ، كذلك فإن القرآن الكريم احتوى على الكثير من الأمور التي لا بد من معرفتها والمتعلقة في أسس العبادة وأن العمل لا يتم إلا بعد معرفة بعض الجوانب الرياضية وكان ذلك في جملة العوامل التي دعت العرب والمسلمين إلى الاهتمام أكثر في دراسة وفهم الرياضيات للاستفادة منها سواء في تحديد مواقيت الصلاة وبداية الأشهر الهجرية وأهمها رمضان المبارك وشهر الحج وبقية الأشهر الحرم عموما وتحديد اتجاه القبلة وقسمة المواريث والغنائم .
لقد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر سيدو : (إن للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة) . أما روم لاندو فقال : (على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس وكلبرت وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا) . أما هوبر فذكر أن التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية .
وكان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور =، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها (الجبر والمقابلة) الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر (عن كتاب بغداد مدينة السلام) .
سنتناول إن شاء الله في هذا البحث الرياضيات من منظور إسلامي، حتى نعطي للمتابع فكرة جلية لعظمة الإسلام واهتمامه بالرياضيات فنقول :
وأيضا قبل المباشرة، علينا أن نعرف ماهية هذا العلم . فكما هو معلوم أن الرياضيات هي أم العلوم الدنيوية كما تسمى، وتدخل في كل جوانب العلوم الطبيعية . أما في الهندسة فتعد الرياضيات هي روح العمل الهندسي التي بدونها لما كان هناك وجود الهندسة وتطبيقاتها، وأما الإحصاء فلا يكاد يخلو أي علم تطبيقي من مادة الإحصاء ومعادلاته وحساباته. وللقرآن الكريم إعجاز رياضي عظيم يكاد يخلب العقول ، وبرزت في هذا المجال كتب وبحوث عديدة في الإعجاز الرقمي تحوي تفاصيل رائعة بموضوع الأرقام والإحصاء وإعجاز الوزن الرقمي للكلمات وأعدادها وفيه أمور عديدة تبعث بالقاري على الاعتزاز بدينه والفخر بكتابه وسنة رسول الله محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
فمن آيات الله في كتابه العزيز ما فيه إشارة مباشرة إلى الرقم والإحصاء والعدد، ومنها ما يحتاج إلى تدبر وتفكر يفضي إلى فهم أشمل للآية الخاصة بالإشارة والمثل القرآني، فهناك الإحصاءات الآتية .
- عدد تكرارات الكلمة والحرف في السورة الواحدة وفي القرآن بأجمعه
- تسلسل الكلمة ونسبتها إلى عدد كلمات السورة .
- تسلسل آية الكلمة ونسبتها إلى عدد آيات السورة .
- تسلسل رقم السورة ونسبتها إلى سور القرآن الكريم . كمثال لذلك راجع الرابط المسمى أسرار ترتيب سور القرآن الكريم .
- الوزن الرقمي للكلمة أو حساب جملها .
وسيرى المتابع الكريم كيف أن هذه النسب والإحصاءات مرتبة بشكل رياضي محكم وحسب قوانين رائعة لا يعلمها إلا الله تعالى، وكيف أنها تعطي ثوابت هندسية للظواهر التي تتحدث عنها فيزيائية كانت أم كيميائية أم اجتماعية أم أي شيء آخر، وكيف أن هذه الثوابت التي من المكن تسميتها (الثوابت القرآنية الشاملة Global Holy -uran Constants) تربط الظواهر التي تتحدث عنها كمثل أو إشارة مع الحالة الاجتماعية للإنسان والمجتمع .
موقف الإسلام من العلوم الرياضية
لئن كان عصرنا الذي نعيش هو عصر الإحصاء والرياضيات إذ لا يكاد علم من العلوم يخلو من هذين العنصرين الأساسيين اللازمين لتطوره، وهما الفارق بين العلميين والعشوائيين ، فإن الإسلام العظيم قد سبق في هذا سبقا مميزا يكاد يكون السمة البارزة له عن بقية الأديان والقوانين الوضعية فلا عجب أن نرى أن القرآن العظيم يعطي الإحصاء والرياضيات أهمية بارزة ، فيقول الله تعالى : (وأحصى كلّ شيء عددا) ، وقال تعالى: (لقد أحصهم وعدّهم عددا)، وغيرها من الآيات المباركات . وقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الانتفاع بالإحصاء منذ عهد مبكر من إقامة دولته بالمدينة . فقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله فقال : (احصوا لي كم يلفظ بالإسلام) . وفي رواية للبخاري أنه قال: (اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس) . قال حذيفة: فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل. وكان ذلك ليعرف الرسول صلى الله عليه وسلم القوة البشرية الضاربة التي يستطيع بها مواجهة الأعداء. والإحصاء الذي تم في وقت مبكر من حياة الدولة الإسلامية ، تم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة ويسر، يرينا إلى أي حد يرحب الإسلام باستخدام الوسائل العلمية الإحصائية والرياضية . وفي مقابل هذا نجد في العهد القديم إن أحد أنبياء بني إسرائيل أراد أن يعمل لهم إحصاء فنزلت عقوبة سماوية بهم ، كأنما (الإحصاء) يمثل تحديا للقدر والإرادة الإلهية، وهذا ما استنبط منه الفيلسوف المعاصر الشهير (برتراند رسل) أن التوراة والكتاب المقدس لا يتيحان مناخا مناسبا لإنشاء عقلية علمية .
لقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين حيث يتم فيها تدوين المعلومات عن الجند ودخول بيت المال وغيرها من البيانات اللازمة للتموين وتجهيز الجيوش . . . وهذه الطريقة لا تزال تستخدم في كثير من الأمور الإحصائية الحديثة وهي بداية الإحصاء . كذلك استخدم الخليفة أبو جعفر المنصور وسائل متطورة وعديدة لتسليح وتموين الجند إضافة إلى تبويب مدخولات بيت المال والمصروفات والأبواب الأخرى المتعلقة بإدارة الدولة . ولعل القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى : (وكذلك جعلنكم أمة وسطا) . وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الأمور الوسط) . وكما بينا أن معاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان ، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل . . . أما الإحصاء التطبيقي فقد ساهم فيه المسلمون عن طريق التوفير للمنحنى المفترض عن البيانات المعلومة وهذا المفهوم العلمي الرياضي لا يزال الأساس في علم الإحصاء لإيجاد أفضل المعادلات لقياس واقعية تجربة أجريت من قبل الباحثين في حقول المعرفة المختلفة . وما طريقة عمر الخيام لحل المعادلات التكعيبية ذات المجهول الواحد عن طريق ما يسمى (بحساب الخطأين) عند المسلمين وما يسمى حديثا بطريقة (False Regula) في التحليلات العددية الحديثة إلا خير دليل إلى أن المسلمين اتبعوا خطوات هندسية حديثة ومتطورة وسبقوا زمنهم في هذا المجال (بالإمكان الرجوع إلى مجلة المجمع العلمي العراقي ، لسنة 1973، العدد 23) .
تعد الحضارة الإسلامية من المرتكزات الأساسية وأحد الروافد الكبرى للحضارة البشرية لأصالتها وشموليتها وإنسانيتها بالإضافة إلى المنهج العلمي الذي كان الصفة المميزة لنتاجات علماء الأمة . لذلك فإن الأعمال العلمية الإسلامية اتصفت بالوضوح والدقة والجدية وبذلك يكون علماؤنا قد أضافوا إشعاعا جديدا لحضارة أمتهم الذي اعترف بفضلها كبار مؤرخي العالم ورجاله . ومنهم العالم بريفو الذي قال : (إن العلم أجل خدمة أسدتها الحضارة العربية إلى العالم الحديث وللعرب الفضل الكبير في تعريف أوروبا بالمعرفة العلمية ، وإن العلم الأوروبي سيبقى مدينا بوجوده إلى العرب) .
ولقد احتلت العلوم الرياضية مركزا مهما في حضارتنا الإسلامية حيث اهتم بها المسلمون اهتماما واضحا ، ويظهر ذلك من خلال النظريات والأفكار الرياضية المتطورة التي قدمها المسلمون . وقد ساعدت جملة من العوامل على تقدمهم في ذلك المجال العلمي المهم في طبيعة العقلية العربية المتفتحة صافية الذهن التي عمل الإسلام على تبلورها، حيث ان القرآن الكريم عدّ التأمّـل والتفكر في خلق الله في جملة المفاهيم الإسلامية التي لا بد للمسلم أن يأخذ بها، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة الاهتمام بالعلوم بصورة عامة ، كذلك فإن القرآن الكريم احتوى على الكثير من الأمور التي لا بد من معرفتها والمتعلقة في أسس العبادة وأن العمل لا يتم إلا بعد معرفة بعض الجوانب الرياضية وكان ذلك في جملة العوامل التي دعت العرب والمسلمين إلى الاهتمام أكثر في دراسة وفهم الرياضيات للاستفادة منها سواء في تحديد مواقيت الصلاة وبداية الأشهر الهجرية وأهمها رمضان المبارك وشهر الحج وبقية الأشهر الحرم عموما وتحديد اتجاه القبلة وقسمة المواريث والغنائم .
لقد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر سيدو : (إن للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة) . أما روم لاندو فقال : (على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس وكلبرت وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا) . أما هوبر فذكر أن التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية .
وكان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور =، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها (الجبر والمقابلة) الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر (عن كتاب بغداد مدينة السلام) .